الجهاد والقتال والحرب والدعوة إلى الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعنف والارهاب وحقوق الانسان وفعل الخير والحريات والحدود ... وسيل عرمرم من الكلمات التي تداعت تداخلاتها فإختلط حابلها بنابلها بحسن نية عند بعضنا وبسوء قصد عند بعضنا الاخر تماما كما فعل بكلمات آخرى مماثلة كالكفر والشرك والردة وأهل الكتاب والفسوق والعصيان كما هو الخلط بين الدماء المعصومة المحرمة والمهراقة وبين المسالم والمحارب والمنافق الظاهر والمستتر ... كل ذلك يتطلب منا جميعا إجتهادا متجددا دوما يبغي نيل الحكمة العاصمة من الولوغ في دماء الانسان المكرم وماله وعرضه وذلك الاجتهاد لابد له من علم يحميه وفقه يصونه وشورى تحرسه كلما كانت كل تلك القضايا سيما إذا ترتبت عليها دماء مهراقة إهتمامات جماعية عامة ما ينبغي البت فيها والحسم من قبل طرف واحد فضلا عن بشر واحد .
يسأل كثير من الناس اليوم من المسلمين ومن غيرهم هل الاسلام دين الارهاب والعنف والظلم والغبن وغمط حقوق الناس والتعدي على كرائم أموالهم وهل كل الناس سواسية حيال ذلك لا فرق بين مؤمن وعاص وفاسق وكافر ومسالم ومحارب وكتابي كما يسألون عن الجهاد الذي بإسمه يموت يوميا على مدار العام في مشارق الارض ومغاربها إنسان واحد على الاقل : هل هو جزء لا يتجزأ من ذلك الاسلام أم هو شريعة منفلتة فاسقة عن السنة العامة ؟
ماهي الحدود بين الجهاد وبين الظلم في الاسلام نظريا إذا كانت ثمة حدود يمكن لكل مجتهد باحث تلمسها ؟ ماهي الحدود بين الجهاد الذي هو ذروة سنام الاسلام وبين القتل العشوائي المستتر وراء الثارات ؟
هل يجني القتل هنا شرا على المقاومة المشروعة المفروضة هناك أم أن الامرين سيان وهل نبطل الجهاد أصلا لانه شريعة قديمة عفا عنها الزمان بحكم التطورات الحاصلة أم نقيده بالمقاومة وما قصة الفتوحات والغزوات التي تروى لنا في تاريخنا هل كانت شرا في زمن غفلة الناس عن نظريات حقوق الانسان أم أن التراث لم يحملها إلينا بريئة أم العيب فينا فهما وحسن فقه لها ولملابساتها .
هل يتحمل زماننا هذا المقاومة والجهاد القتالي العسكري المزهق للارواح أم قد إنسحب كل ذلك تاركا مكانه لضرب آخر من الجهاد السلمي المدني بالكلمة والبرهان والاعلام والعلم والفكر أم أننا بحاجة إلى فقه إسلامي جديد معاصر يختار الجمع بين الثوابت القطعية في الاثار والمقاصد وبين مقتضيات التحولات الحاصلة .
هل نحن اليوم ضحية ضغوطات رهيبة قاسية سواء من جانب تراث معبإ بفكر الغزو والفتح والجهاد القتالي الواسع المفتوح غير المنضبط بشئ كلما كان الانسان يحدث نفسه بالاخلاص أو من جانب ثورة حقوقية عالمية رسخت فينا ثقافة معينة مدججة بأسطول إعلامي يغسل العقول غسلا ؟
كل تلك التساؤلات مشروعة ولا ريب يطرحها اليوم منا ومن غيرنا آلاف من الناس على أنفسهم وعلى غيرهم وهي تساؤلات زادت حدتها وإلحاحيتها يوم تحولت إلى برنامج عمل من لدن طائفة من الناس مسلمين وغير مسلمين ... برنامج عمل جعل أعمال الاغتيال والقتل والتفجير والانتقام بإسم الجهاد أو بإسم العولمة وتجفيف منابع الاسلام تكاد تكون يومية لا تتطلب من الناس سوى طبع شهادات الادانة ووضعها تحت مقالم أجهزة البث والارسال أو بيانات التبني .
هذا البحث في القرآن الكريم والسنة والسيرة يحاول ملامسة أجوبة لتلك الاسئلة على ضوء معطيات الواقع الراهن . هي مساهمة متواضعة لابد لها من إحتلال مكانها بين آلاف المساهمات في موضوع الجهاد في الاسلام بين المقاومة المفروضة والثارات العمياء .
أسأله سبحانه أن يوفقني لحسن طرقها علما وفقها وحسن إستنباط وإستكشاف وقراءة وأن يمن علي فيها وفيما يليها بالاخلاص له وحده سبحانه فأتخلص من طواغيت النفس والهوى والشيطان والطمع في فتات مائدة هذا والخوف من سيف بتار يشهره ذاك وأن ينفع بها وأن يقيض لها من ينقدها حق نقدها فيميز إصابتها من خطئها .